المقدمة:
بين صاعدٍ وهابط، وذاهبٍ وآت، تتبدل الأحوال، لكنها لا تتغير التصرفات ولا السلوكيات للبشر. فإن الخوف والإطمئنان، والجَزَع والصبر، والرغبة والقناعة، والرجاء والقنوط، والطمع والرضى، كلها عناصر نفسية ثابتة وطبائع ثابتة في النفس البشرية، ولا تتغير بتغير جنسية، أو شكل، أو لون الإنسان إنما يظهر كل طبع مما سلف، في صورة سلوك معين يصدر من الإنسان بناء على طبعه.
فعلى سبيل المثال، من يتداول في أسواق المال أو البورصة مثلاً، تجده يبيع السهم الذي في حوذته، إما للإحتفاظ بما حصل عليه من أرباح - جني أرباح - نتيجة الرضى بما حصل عليه من ربح، أو الخوف من عودة السهم للهبوط مرة أخرى مثلاً، وكذلك في شراء سهم معين، فإن عملية الشراء نفسها هي ناتجة من رغبة المشتري في الربح، وقد تكون نتيجة الطمع أيضاً، ... وهكذا.
وعندما قام خبراء أسواق المال وعلماء التحليل الفني، برصد وتسجيل ودراسة نتائج هذه العمليات - البيع والشراء - على لوحة الرسم البياني، وجدوها تكونت على أشكال معينة متكونة في صورة نماذج فنية، او في صورة منحنيات تأخذ أشكال معينة، بغض النظر عن طبيعة أو إسم السوق محل الدراسة، فإن البورصة الأمريكية، والبورصة الصينية، والبورصة السعودية، والبورصة المصرية لها بيانات أسعار وهذه البيانات تم تسجيلها على لوحة الرسم البيانات، وما من رسم بياني لأي سوق أو بورصة إلا وفيه صعود وهبوط ونموذج فني. أي أن الرسومات البيانية لكل الأسواق تشترك في الشكل العام وإن إختلف فيها محتواها.
وليست طبائع الناس وحدها وسلوكياتهم التي تتحكم في حركة الأسعار أو ترسمها، فهناك أيضاً طبيعة الأسواق والسلع نفسها، والتي تنعكس بدورها على حركة الأسهم بين صعود وهبوط، فعلى سبيل المثال إذا كانت هناك سلعة من السلع يكون عليها الإقبال خلال موسم معين من مواسم السنة، وهناك شركات مُدرجة في البورصة تُنتج منتجات مرتبطة بهذه السلعة، فإنك تجد أسهم هذه الشركات ترتفع وتنخفض بناء على حركة السلعة نفسها بين صعود وهبوط خلال الموسم الذي تنشط فيه هذه السلعة، والموسم الذي لا تنشط فيه هذه السلعة.
وإضافةً لما سبق، هناك عوامل أخرى قد تؤثر على حركات الأسهم. ورغم انها ليست حركات موسمية إلا انها حركات سعرية لا تخرج عن الصعود والهبوط في تكرار مستمر.
الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر .. علي ابن أبي طالب
وهذا التكرار قد لا يكون تكرار نمطي، أي قد لا يكون محدد ببداية ثابتة، ونهاية ثابتة في المدة والتوقيت. أما السلع التي تنشط في مواسم ثابتة، تكون فيها الحركة ثابتة مثل المحاصيل الزراعية (القمح، الأرز، الذرة، الفاكهة،.... إلخ) والتي يكون فيها وقت الزراعة ثابت ووقت الإنتاج ثابت أيضاً طبقاً للمناخ، وبالتالي تكون الحركة السعرية ثابتة نوعاً ما، وقد تتغير بتغير الأجواء العامة المحيطة والإقتصاد العام.
وهناك مواسم ثابتة لكنها متحركة في ذات الوقت ! ثابتة بثبوت مافيها من مُعتقد، ومتحركة بتحرك زمنها وميقاتها إذا كانت مرتبطة بالتوقيتات غير الثابتة أو المتحركة، مثل التوقيت الهجري، وخير ما يمكننا ضربه من مثل هنا هو شهر رمضان الكريم. تنشط فيه بعض السلع ووتتألق وتخبو فيه سلع أخرى، وتنشط فيه تجارة ولا تنشط أخرى. وحيث أن شهر رمضان الكريم من الأشهر الهجرية، بالتالي ليس له توقيت ثابت أو موسم ثابت يأتي فيه (صيف، شتاء، خريف، أو ربيع)، هو شهر يمُر على كل فصول السنة ومواسمها، والحركة التجارية فيه تنعكس تباعاً على أسعار الأسهم، حيث إشتهر سابقاً أو تاريخياً، أنه في شهر رمضان الكريم تكون أحجام التداول منخفضة بنسبة ملحوظة، وتهبط أسعار بعض الأسهم بصورة واضحة أيضاً وبالتالي ينعكس على رأس المال السوقي بصفة عامة، مما يؤثر على الحالة النفسية لدى المستثمر أو المضارب ليزهد هذا وذاك في الإقبال على التداول، مما يعود بالسلب على تداولات الجلسات خلال شهر رمضان الكريم. فهل تتغير هذه النظرة بمرور الأيام وتغير المواسم؟
هذا ما سنوضحة فيما يلي ..
وحيث أن هذا المقال للحديث عن الدورات الزمنية للبورصة المصرية، لتوضيح الفترات الزمنية التي تشهد البورصة المصرية فيها الصعود، والفترات الزمنية التي تشهد فيها الهبوط، نريد الإشارة إلى أمر هام وهو أنه لا يوجد شئ ثابت فكل الأمور تتغير.
الدَهرُ يَومانِ ذا أَمنٌ وَذا خَطَرُ ... وَالعَيشُ عَيشانِ ذا صَفوٌ وذا كَدَرُ. الإمام الشافعي
فتعاقب الأمور وتداولها بين صعود وهبوط هو من السنن الحياتية، فعندما ترى فقير الأمس هو غني اليوم، وغني الأمس هو فقير اليوم لا تتعجب.
الدورات الزمنية الصاعدة والهابطة للبورصة المصرية.
في الفيديو المرفق أسفل المقال تم توضيح الدورات الزمنية للبورصة المصرية كما يلي:
ومن المقولات الشهيرة عالمياً في أسواق المال هذه العبارة:
Sell in May and Go Away
ومعناها " بع في مايو و أرحل " ، وكما نعلم أنه ما من مقولة شهيرة مُتداولة إلا وتكون مبنية إما عن علم أو معرفة أو تجارب شخصية ممن أطلقوها أول مرة وصدّروها للناس. فإذا صادفت هذه المقولة - تاريخ الحدث - أن تقع مع ما تم التعارف عليه في السوق المصري أو البورصة المصرية - موضوع التقرير - في أشهر معينة في السنة يكون فيها حجم التداول ضعيف مع ميول لأسعار الأسهم للهبوط، مثل شهر رمضان، فعليك أن تتوقع أن يكون الإحتمال الأكبر يكون لصالح تحقيق المقولة. غير أنه كما ذكرنا أعلاه، لا يوجد شئ ثابت وكل الأمور قابلة للتغير.
وبعد دراسة بيانات الأسعار والمؤشرات للبورصة المصرية تجد أن الجدول الموضح أعلاه متفق مع بيانات أسعار معظم أسهم البورصة المصرية ومؤشراتها الرئيسية وعلى رأسها مؤشر EGX30. ولمزيد من التفاصيل يمكنك مشاهدة الفيديو المرفق.
فهل تسير البورصة المصرية على هذه الدورات الزمنية حتى الآن؟ وهل من المحتمل أن تختلف دوراتها الحالية والمستقبلية عن سابق تاريخها؟ من المؤكد أن الأيام وحدها هي التي تجيب على هذه الأسئلة.