قصة قصيرة " بسينة "
تأليف : عادل أنسي محمد
الزمالك تستيقظ على أبشع جريمة قتل في القرن .. عنوان رئيسي دونت به جريدة العاصمة خبر جريمة قتل في حي الزمالك .
في أول ساعة من النهار ،
من لفافة الجرائد كاملةً لم يتبقى منها إلا جريدتين أو ثلاث على قفص عرض الجرائد
لدى بائعها !!
وجدت رفيقي في سفر اليوم
اذاً ، توقفت لأشترى ذلك الرفيق ، " الجريدة " سائلاً بائع الجرائد :
-
آها ، أهذا الخبر الذي تمت إذاعته أمس في
الراديو ؟
-
نعم ، لا حديث للرأي العام الآن إلا عن هذه
الحادثة !
-
أعطني جريدة من فضلك ..
-
ألا يوجد معك فكَّة ؟
-
عذراً فالفكَّة معي لا تكفي .
-
حسنا ، تفضل الباقي .
-
شكراً
أخذت الجريده أتصفحها منتظراً
سيارة العمل . كان الشئ الغالب عليها في أول صفحة هو خبر الوفاة ، فَرَدت له
الجريدة ، الصفحة الأولى كاملة ! ما الجديد اذاً في هذا الحادث لتفرد له الجريدة
كل هذه المساحة ؟! لو فُردت لكل رجل أعمال يُقتل في هذه المدينة صفحة ، لما وسعت صفحة
في جريدة لخبر آخر ! سؤال جال بخاطري و أنا أقرأ أول سطر في تفاصيل الخبر .
" الخامس من شهر شباط في
العام التاسع بعد الألفين ميلادياً " - أواه يا شهر البُسينات – عبارة لبنانية داعبت
بها فكري ثم إستكملت القراءة ، تلقت نيابة مباحث الزمالك بلاغ بحالة قتل رجل أعمال
شهير يُدعى " فريد عبد الهادي " ، كانت هذه مقدمة الخبر ، مقدمة تقليدية
، تلاها ذكر طاقم التفتيش و المباحث و ذكر النيابة . طويت الجريدة مستعداً لركوب
السيارة و الشوق يدفعني ناحية مقعدي لأبدأ رحلتي مع الجريدة .
-
س : إسمك و سنك و عنوانك ؟ .. بدأ الكاتب
يروي القصة بداية بمحضر التحقيق في النيابة !
-
ج : " ميرهرام " .. " سنة و
تسعة أشهر " .. !!
هنا توقفت لأراجع ما
قرأت ربما أخطأ الكاتب أو مدقق الخبر في كتابة عمر الجاني ، و فركت عيني لأتأكد ،
ربما سهرة الأمس أرهقت عيني !! وجدتها كما هي مكتوبة " سنة و تسعة أشهر
" !! كيف هذا ، أهذا رضيع جديد يتحدث ؟! رضيع يتحدث ؟! كذّبت شكوكي في الخطأ
الإملائي و إستكملت القراءة :
-
" عنواني الحالي
هو نيابة الزمالك "
-
عنوانك قبل النيابة ؟
-
" الزمالك ، شارع
النيل " .
-
س: هل أتيت للإعتراف بقتل رجل الأعمال "
فريد عبد الهادي " ؟
-
ج : نعم .
رضيع يتحدث و يعترف أنه إرتكب
جريمة أيضاً ؟ قلتها مستنكراُ ما أقرأ و استكملت القراءة :
-
سأتركك تحكي كيف نفذت الجريمة ، لكن خبرني
أولاٌ :
-
س : لماذا جئت للإعتراف ، و هل أتيت بكامل
إرادتك ؟
-
ج : جئت هنا بكامل إرادتي ، و جئت لكي لا
تعدموا أحداً باطلاً .
-
حسناً ، قص لنا كيف تمت الجريمة و أبدأ
بالأسباب التي دفعتك لها .
-
" فريد عبد الهادي
" رجلٌ ساديٌ ، يهوى التعذيب بعد الإحسان ، يُعطي و يُنعم و لا يشعر بالسعادة
إلا بعد ذُل من أنعم عليه و أغدق عليه بالنعم . فكان قتلي له إنتقاماً
-
ما قلته لا يكفي لإثبات ، التوضيح بالتفصيل
هو المطلوب .
-
قبل الحادث بثلاثة ليالي ، كنت أجلس في غرفتي
الصغيرة و في العشاء دخل متبسماً يداعبني لآكل ، أكلت ثم لعبنا سوياً بضع دقائق ثم
حملني لأجلس معه أمام التلفاز ، فهو كان مغرم بمشاهدة مباريات الملاكمة ، وكنت
أشاهدها معه قسراً ، إلا أني كانت تبهرني مشاهدة النهاية ، خاصة الضربة باليمين ثم
بالشمال ثم القاضية ، كانت تبهرني و كنت أقفز لها لُمّا تحدُث !
-
حقاً إنها تستحق الإعجاب !
-
ثم تركني لينام ، و أنا لم يغلبني النوم عندها
. جلست بجوار التراس ، فتهادى الى سمعي حوار كان يدور بين الطباخ و منسق الحديقة .
-
س : " سعيد " منسق الحديقة ، الذي
في السجن ؟
-
ج : نعم ، المتهم بالقتل !!
-
أكمل .
-
سمعت سعيد يقول ، " كم وددت مراراً أن
أتخلص منه أو أن أرحل من هنا " ثم حكى للطباخ مواقف كثيرة ، أثارت غضبي و
إشمئزازي من " فريد " و من البقاء هنا ، آخرها إهانة" سعيد "
أمام زوجته و ضربه مما دعى " سعيد " للبكاء و هو يحكي للطباخ . دخلت بعدها
غرفتي و قد بللت الدموع لحيتي .
توقفت عن القراءة مجددا
و إقشعر بدني و كاد شعر رأسي يقف ! يا إلهي ، لا أصدق ! ، هل هذه قصة حقيقية أم
خيال أم قصة من قصص " ألف ليلة و ليلة " !! رضيع و له لحية و يستمتع
بالملاكمة !! ما هذا الهراء ، جريدة ساقطة تستهزئ بعقول القراء . قلتها و أغلقت
الجريدة ، غير أني بعد دقائق قليلة ، تذكرت تاريخ الجريدة ، و إمتداح القراء فيها ،
و أدباء العصر و كتاباتهم فيها ! هل تُضحي الجريدة بسمعتها بقصة خيالية تحت عنوان
حقيقة واقعة ؟! ربما في الأمر شئ ، قلتها و عاودت القراءة من حيث إنتهيت ، أكمل
" ميرهرام " حديثه :
-
زوجتي " بيرادوسي " كانت في فرشها
تغط في النوم .
توقف أيها القاتل اللعين
، لقد أشعرتني كأن السيارة تدخل بنا في أحد مسلسلات سندريلا أو حلقات السندباد .
عجيبٌ إسمك و غريبٌ ما تقول ، إبتلعت عجبي رغماً و إستنكاري و غرابة ما أقرأ
مستنكراً سكوت وكيل النيابة أثناء الحكاية ، هل أغشي عليه ؟ هل ترك المكتب ؟ هل
يوجد وكيل نيابة أصلا ؟! لم أُطل في أسئلتي و إستكملت حكاية " الرضيع الكهل
" :
-
إلا أنها إستيقَظت متلويةً ، كغصن بان داعبه
النسيم في حر صيف حارق ، فنادتني لها شهوتها الملتهبة التي لا تنام ، فلبيت النداء
طائعاً ، مستمتعاً و إذ بقدم تأخذني من بطني ، لتلصقني بحائط الغرفة الشرقي ، و لم
أرى من الفاعل إلا قدمه الأخرى و هي تتبعني الثانية ، لأطير إلى سقف الغرفة فاقداً
الوعي .
-
لماذا فعل هذا ؟
-
لا أدري ، هذه المرة الثانية التي فعل منذ أن
دخلت البيت قبل الحادث بأسبوعين . يفعلها و يأتي الصباح يدخل الغرفة يضحك ضحكاً
هيستيرياً ثم يشعل سيجاره و يخرج !
-
أها .. سادي هو ! أكمل .
-
ليلة الحادث ، دخل ليعيد الكرة . يطعمني !
أكلت . يحملني للتلفاز ! شاهدت الملاكمة . شاهدت القاضية ، سعدت و رقصت لها . نادتني
سعادة " شباط " و أنسه و فسحته و متعته ، فلبيت . سمعت قدمه تسبقه من
غرفته ، إستشعرت أنه سيفعل ما فعل . أنهيت شهوتي و تسمرت مكاني ، توقفت زوجتي
أمامي ، بيني و بينه ، إبتسم إبتسامة التحدي و الإنتقام الكاذب ، فرفسها بقدمه
اليمنى فرأيتها تصرخ و تلتصق بالحائط كسابقتي معها ، غضبت غضباً لم أغضبه من قبل ،
غضبٌ وقف له شعر جسدي كله .
يا الله ! لا يملأ الشعر جسداً ، إلا في غوريلا !! معقول الرضيع الجاني غوريلا
؟!! قلتها بصوت عالي انتبه له كل من في السيارة فتأسفت لمن إستيقظ لصوتي ، و أكملت
القراءة و دقات قلبي تتسارع خوفاً غير معروف السبب :
-
و لم أشعر بنفسي إلا و أنا أقفز قفزة سهم أُطلِق
من قوسه لرقبة صيد . و ما رأيت إلا مخالبي اليمنى تغرز في رقبته ، انتزعتها و هو
يدفعني عنه ليجري خارج الغرفة . القاضية ، القاضية ، أريد القاضية . قفزةٌ أخرى
أتعلق بها في ظهره بمخالبي التى شعرت بها و كأنها تخرج من صدره . حاول أن يمسكني
بلف يده خلف ظهره ليمسكني و يرميني أمامه ، فعل و ما إن رماني أمامه ، حاول أن
يبحث عن شئ يضربني به ، تلفتَ يمينا و شمالاً و هو يمسك رقبته ليمنع نزيف أرهقه ،
لم أتركه ليبحث طويلاً عن شئ به يضربني . أحتاج إنطلاقة صاروخ أرض جو لأرشق
المخالب اليسرى لتصافح جرح اليمنى . إستجمعت قوتي بسرعة و دفعت بنفسي بكامل ما
أوتيت من قوة لأغرز مخالبي اليسرى في رقبته ، نعم فعلتها ، حاول أن يبعدني عنه ،
كأن خطاف السفينة في المرسى لم يجد من يرفعه ، فهوى له أرضاً . و أخيراً تعطشت
أنيابي لتشرب لإنتقام " سعيد " و إنتقام " بيرادوسي " و
إنتقامي . فتحت فمي و كأني أسد وقعت بين يدية فريسته دون قيد أو شرط ، أنيابي في
حنجرته ، لم أشعر منه سوى ببضع رعشات منتفضة ودع لها قلبه الحياة . سعدت لها و
رقصت . أسرعت لزوجتي لأجدها ملقاة على الأرض ، تأن من بطنها . هبط شعر جسدي الشائك
ليكون لها فرشاة من حرير أداعبها و أمشط به شعرها كي تفيق . و أخيراً قامت تطمئن ،
رقصت أمامها رقصة القاضية ، علمت منها أنه إنتهى . بعدها رأيت الشرطة تأخذ "
سعيد " و رأيت أنه المتهم بالقتل ، فأتيت هنا لأعترف و أنقذه من الإعدام .
-
شئ جميل ، جميل أنك تنقذ مظلوم من حكم باطل ،
لكن هل تظن أن " الجن " تُقبل شهادتهم ؟!!
سلامٌ قولاً من رب رحيم
. الله أكبر ، الله أكبر . " جِنِّي " جني في غوريلا ؟!! قلتها و أنا
أتلفت حوالي ، تملكني الرعب و أنا أشعر بأنفاس تدور حول رأسي .. سلامٌ قولاً من رب
رحيم .. لم أملك إلا أن أتابع القراءة ، لم أستطع رفع رأسي عن الجريدة ، و كأني
سلمت رأسي ليد تلصقها في الجريدة لتقرأ ما يقول ذلك " الجني " :
-
أنا لست " جِنّي " !!
-
أنت ماذا إذاً ؟
-
أنا في عالم الحيوان " قط " ، قط
أليف ، لا أرغب من الحياة ، إلا طعام يومي ، و لا أكتنز منه شئ لغدي . و لا أملك
بيتاً و لا أسعى لإمتلاك قصر و لا بستان !! أعيش في سلام مع نفسي و زوجتي و أحلم بأبنائي
الذين ضاعوا لضرب زوجتي الأخير ! لم أتحمل إهانتي و لم أتحلم إهانة زوجتي . حرمها
و حرمني متعة " شباط " التي هي عيد القطط و سعدهم ، فنحن في عالم
الحيوان ، غير عالم الإنسان .
-
حقاً ، أنتم غير عالم الإنسان ، ربما يرفض
الحيوان ما يقبله الإنسان ، قَبِل " سعيد " الإهانة من أجل لقمة العيش ،
و رفضتها أنت . حقاً ، دنياكم غير دنيانا . رفضتم الذل بعد الإطعام .
و أخيراً طلبت النيابة
إخلاء سبيل " سعيد " و حبس القط في القفص لحين عرضه على طبيب بيطري
للفصل في قتلة أو علاجه .
خمس دقائق و رأسي تدور ،
و لا أملك من يدي غير إحساس و هي تسقط من على الجريدة بعد هذه النهاية .
وصلت السيارة لمكان
العمل . نزلت أنظر يميني و شمالي و تدور في رأسي عبارة وكيل النيابة " ربما
يرفض الحيوان ما يقبله الإنسان " .